وليد عثمان
أصبحت القرصنة جزءاً من النشاط البشري المرافق للتقدم التكنولوجي المتسارع. وغالباً ما ترتبط القرصنة في الأذهان باستهداف المؤسسات المالية، أو الجهات التي يحتوي نشاطها على تبادل بيانات ومعلومات حساسة، كتلك المتصلة بالأنشطة الدبلوماسية أو العسكرية أو المخابراتية.
وتهدف هذه الهجمات في الأغلب إلى تحقيق مكاسب مالية، إما بطلب فدية مباشرة، أو بيع البيانات الحساسة لجهات تستفيد منها في الحروب الإلكترونية الدائرة حول العالم.
المستغرب أن تكون المنشآت الصحية حول العالم هدفاً لنشاط القراصنة، ومحوراً للسجال وتبادل الاتهامات بين بعض الدول إلى درجة أن تحذر منه منظمة الصحة العالمية و50 دولة أمام مجلس الأمن، في جلسة خاصة بالموضوع، انعقدت بدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية.
هذه التفاصيل تعطي أهمية للموضوع ربما لم ينتبه لها كثيرون، ومن الطبيعي أن يتساءلوا: ما جدوى الهجمات على المنشآت الصحية، وتحديداً المستشفيات؟ وما خطورة ذلك بحيث تستدعي اجتماعاً بهذه الأهمية صدر عنه بيان؟
البيان فيه ما يجيب عن ذلك، باعتبار أن هذه الهجمات تشكل تهديداً مباشراً للسلامة العامة، وتعريضاً لحياة البشر للخطر، بما تسبّبه من تأخير في تقديم الخدمات للحالات الصحية الحرجة، والتسبّب في ضرر اقتصادي كبير.
اللافت في أخطار هذه الهجمات التي تضمّنها البيان هو أنها قد تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين. ومن هذه الزاوية، يطل الوجه السياسي للموضوع الذي أقحمت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، كالعادة، اسم روسيا، متهمة إياها بالوقوف وراء هجمات برامج الفدية الخبيثة التي تستهدف المنشآت.
ويبدو أن تيدروس غيبريسوس، مدير منظمة الصحة العالمية، حاول منح الموضوع مزيداً من الجدية التي تستدعي مناقشته في مجلس الأمن، وإصدار بيان تشترك في تبني محتواه 50 دولة، فلخّص أمر الهجمات على المستشفيات بالقول، إنها «يمكن أن تكون مسألة حياة أو موت» مع ارتفاع وتيرتها من حيث الحجم والتكرار، ما يتطلب تعاوناً دولياً لمواجهتها.
تشكيك البعض في مدى الحاجة لمناقشة هذا الملف وسط أزمات دولية مشتعلة عبّرت عنه روسيا على لسان فاسيلي نيبينزيا، مندوبها الدائم في الأمم المتحدة، الذي قلل من جدوى الاجتماع ووصفه بإهدار لوقت مجلس الأمن وموارده.
ورداً على الربط الأمريكي بين هذه الهجمات وروسيا، قال نيبينزيا، إن الدول الغربية المنشغلة بسلامة المرافق الصحية، يجب أن تتفق في مجلس الأمن على خطوات توقف الهجمات المروعة التي تشنها إسرائيل على المستشفيات في غزة.
آن نيوبرغر، نائبة مستشار الأمن الأمريكي، اتهمت روسيا بالسماح باستخدام أراضيها منطلقاً لهذه الهجمات، وزادت فرنسا وكوريا الجنوبية بالإشارة إلى دور لجارتها الشمالية في ذلك.
على خلفية هذه المناقشات، يمكن النظر إلى الاجتماع باعتباره مناكفة أمريكية جديدة لروسيا لا سبب واضحاً لها في هذا التوقيت، واستغلالاً أمريكياً لمجلس الأمن للتعبير عن مصالحها، بينما تغيّبه في مناقشات أكثر إلحاحاً، أو توجهه إلى قرارات وبيانات لا تحقق العدالة الدولية.
0 تعليق