د. حسن مدن
في ركن التوقيع بمعرض الشارقة الدولي، سعدتُ، أمس الأول، بتدشين مؤلفي الجديد «في مديح الأشياء وذمّها»، الصادر عن دار «روايات»، التابعة لمجموعة «كلمات» في الشارقة. هي مناسبة لأن أتوجّه بالشكر للدار الناشرة لإخراجها الأنيق للكتاب ولغلافه الجميل اللافت في تعبيره عن المحتوى، لكنها أيضاً مناسبة جعلتني أتذكر أن التدشين الأول لكتبي الصادرة حتى الآن، أو لمعظمها على الأقل، إنما تمّ في دورات معرض الشارقة للكتاب المتتالية.
في الذاكرة شيء آخر أعتزّ به، هو أن أول ستة إصدارات، من مجموع إصداراتي، صدرت في الإمارات، وفي الشارقة تحديداً، بعضها عن دائرة الثقافة فيها مثل «مزالق عالم يتغيّر»، واثنان منها صدرا عن دار «الخليج للطباعة والنشر» هما: «تنّور الكتابة» و«لا قمر في بغداد»، وأحدها عن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات هو «الثقافة في الخليج.. أسئلة برسم المستقبل». كان ذلك خلال السنوات العشر التي أقمتها في هذه المدينة الوادعة، المشرقة بنور الثقافة والمعرفة؛ حيث عملت في دائرتها الثقافية رئيساً لقسم الدراسات والنشر، ومنذ بداية استقراري في الشارقة بدأت الكتابة في «الخليج» الغراء الصادرة فيها، ككاتب أسبوعي أو شبه أسبوعي، قبل أن أتحوّل إلى كتابة عمود يومي فيها بدعم وتشجيع من مؤسسَيها الراحلين الأستاذ تريم والدكتور عبدالله عمران، رحمهما الله.
أخلص من هذه الاستعادات للذاكرة إلى أني ممتنّ للشارقة بالكثير، فعيشي في المدينة وعملي فيها، قبل أن أغادرها عائداً إلى الوطن في عام 2002، أتاحا لي أن أكون وسط مناخ ثقافي نشط وحيوي، سرعان ما اندمجت فيه، وأفدت منه الكثير في تطوير مهاراتي، وفي العطاء الثقافي عامة، وأن أتعرف إلى الحركة الثقافية والفنية في الإمارات ومبدعيها من أدباء وفنانين وأكاديميين، وإلى المثقفين والمبدعين العرب المقيمين فيها، ما وسّع من رؤيتي للمشهد الثقافي والأدبي المترابط بين بلدان منطقة الخليج، وتشابه منابع الإبداع فيها، والمؤثرات التي أغنت عطاءها الثقافي والفني.
لست الوحيد من المثقفين والأدباء العرب الذين استقرّ بهم المقام لفترات متفاوتة، وحتى دائمة، في الشارقة وفي الإمارات عامة، وعاشوا تجارب مشابهة لتلك التي عشتها، وأفادوا من المناخ الثقافي النشط، متعدد الأوجه المتاح فيها، ليتأثروا به ويَسْعَوا مَا وَسِعَهم السعْي للتأثير فيه، والفضل في توفر هذا المناخ وتطوّره الدائم في الشارقة بالذات، إنما يعود، في المقام الأول، لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي أعطى ما أعطى من الوقت ومن الجهد لتصبح الشارقة حاضرة ثقافية يمتدّ إشعاعها إلى الأفق العربي، مشرقاً ومغرباً، بل ويتخطى ذلك إلى بعد عالمي أوسع، بتجليات مختلفة. فللشارقة تحية وفاء كبيرة.
[email protected]
0 تعليق