البيانات.. حكاية تاريخ ورؤية مستقبل - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

غالب المصطلحات المتعلقة بالبيانات في عصرنا الراهن تتسم بالجمود، وبعضها يبتعد قليلاً عن حقيقة جوهرية يجب أن نظل نذكّر بها أنفسنا لأهميتها، وهي أن البيانات ليست مجرد أرقام وإحصائيات ومعلومات مجردة، بل هي حكاية متماسكة البناء لتاريخ البشرية وتطورها، وهي نتاج الإنسانية في جميع أحوالها. ومهما كان مصدر البيانات، فهي لا تعني شيئاً إلا إذ تدخل العقل البشري لتنظيمها وتحليلها وتحويلها إلى مفاهيم ونظريات وأدوات بناء وتنمية.
وعلى الرغم من المفهوم التجاري والمهني للبيانات، في توجيه مسيرة التقدم على كافة صعدها، وفي تعزيز تنافسية الشركات والمؤسسات وتطوير التجمعات الحضرية ومرافقها وخدماتها، إلا أن استخدامه وحده يخلق فجوة واسعة بين البيانات وبين البشر، فلا تندمج بالشكل الكافي في ثقافة ومؤهلات الأفراد الذين يشكلون في مجموعهم الثروة البشرية، ولا تندمج في السياق الاجتماعي التنموي بصورة مؤثرة.
لذلك، فإن «أنسنة البيانات» أي تبسيطها وربطها بالإنسان دوماً، يجعلها أكثر قرباً للمجتمعات، بحيث يسهل على كافة الفئات فهمها وتداولها ودمجها في الحياة العامة، إذ عندها تصبح أداة قوية للارتقاء بممارسات الحياة وشكلها وجودتها، فتكون في متناول أيدي منظمات العمل الإنساني على سبيل المثال، أو مؤسسات رعاية الأطفال والشباب أو المراكز الصحية الصغيرة المنتشرة في المدن والأرياف، أو في المؤسسات الأكاديمية مثل رياض الأطفال والمدارس والجامعات، وفي متناول الشباب من خلال إنشاء مراكز خاصة للتوجيه العلمي والوظيفي، ترشدهم لاختيار مسارهم المستقبلي وأعمالهم ومشاريعهم الخاصة.
من ناحية أخرى، يرسخ مفهوم «أنسنة البيانات» لأن يكون الإنسان محور كل نشاط وهدف كافة السياسات والقرارات، وبهذا تصبح جودة حياة الأفراد ومصالح المجتمعات وأمنها واستقرارها وصحتها العامة، محوراً أساسياً في قياس مدى نجاح النشاطات الاقتصادية والسياسات العامة.
إن دمج البيانات بالحياة الخاصة للأفراد وربطها بطموحات المجتمعات يتطلب جهداً إضافياً على مختلف المستويات، فهذا يحتاج إلى إنشاء مراكز بيانات مجتمعية للدعم والإرشاد والتوجيه، واستحداث مناهج دراسية جديدة، كما يحتاج إلى الفعاليات التي تدعم هذا التوجه وتوضح أهميته وتسهل تجسيده وممارساته على أرض الواقع، والأهم من ذلك يحتاج إلى سياسات جديدة في تنظيم البيانات وتحليلها واستخلاص المفاهيم والأفكار على أساسها ومشاركتها مع المجتمع وليس مع قطاعات الأعمال أو صناع القرار فقط.
من هذا التحليل تنطلق رؤيتنا في تنظيم الدورة الأولى للمنتدى الإقليمي للبيانات والتنمية المجتمعية، هذا المنتدى الذي يخاطب جمهوراً واسعاً، ليروي معهم ومن خلالهم، ليس حكاية ما حدث فقط، بل وحكاية ما سيحدث أيضاً.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق