ما يضمن سلامة اللغة - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عبداللطيف الزبيدي

قلت للقلم: لماذا بلغ بك الصَّلَف ما لم يعرفه السَّلف ولا الخَلف؟ ما هذا السَّرَف والخَرَف؟ كيف تُقحِم في حديث المناهج ما لا يُفحِم؟ أتظن أن واضعيها لعبة بيديك؟ أنا لا أفكّر في الرجوع إليك. أمس، خبطتَ فخلطتَ شطحات المتصوفة باستدلالات المناطقة والفلاسفة.
عجل لسانك بأن النحو لا يضمن سلامة اللغة، فهل تضمنها عاميّة الفضائيات؟ أبشر بما يُحشر ويُنشر، فقد أمسى من يتكلم الفصحى يُرمى بالتقعّر والتشدّق. حسناً، هب المناهج العربية أخفقت في إنقاذ لغتنا من مهاوي التردّي، وانتشالها من ضروب الإقصاء والتهميش والتعدي، لقد اجتهدتْ وأخطأتْ، فلها أجر واحد، فهل لديك من حيلة أو وسيلة، كثيرة أو قليلة، فتكون خدمةً جليلة؟
قال: بل لديّ حيلتان، يحقّق تطبيقهما معجزتين في لغتنا، فلا مثيل لهما في القرون الماضية. أمّا الأولى فقد تحدّث عنها القلم في أعمدة شتّى، وأسهب في تقليبها فوقاً وتحتاً، فلن يكون كذلك الذي مات وفي نفسه شيء من حتّى. مفادها الاقتداء بالعرب القدامى الذين كانوا يرسلون أطفالهم إلى البادية لتستقيم ألسنتهم، وتنشأ على الفصاحة. فهل يُعقل أن يرى عاقل اليوم هذا المطلب اليسير منالاً عسيراً؟ ما لكم، كيف تحكمون؟ كلّموا الصغار بالفصحى من دون إثقال أذهانهم بقواعد النحو والصرف، منذ الحضانة، فإن تعذّر ذلك، فمن الابتدائية يكون البدء، ثم انظروا كيف تكون العاقبة الرائعة منذ العام الدراسي الأوّل.
قلت: قد عرفنا ذلك المطلب ومللنا التكرار، وسئمنا الاجترار، فهل بعده من ومضة، قبل أن تدركنا غمضة؟ قال: إذا استطاعت أنظمة التعليم مجتمعةً أن تفنّد بالحجج والبيّنات هذا الأسلوب التربوي السليم القويم فسنشهد لها بأنها تنفخ في قربة مقطوعة. المشروع المقترح هو زرع الإحساس بجمال اللغة في الأذهان. يستمر المنهاج من آخر الابتدائية أو بداية الإعدادية إلى الجامعة، في الفرع الأدبي على وجه الخصوص.
تكون البداية بالأساليب السهلة، مثل المنفلوطي، ميخائيل نعيمة، تدرّجاً إلى الوراء زمنياً، وصولاً إلى التقنيات العالية، مثل أبي حيان التوحيدي. يتدرب الطالب بقلمه عمليّاً على محاكاة تلك الفنون الأسلوبية، لا عبر شرح النصوص من دون ممارسة. مثلما يحدث في المعاهد الموسيقية، حيث يقضي الطالب سنوات من العزف العملي على البيانو مثلاً، في أعمال موتزارت، باخ، إلى التقنيات الفائقة لدى شوبان وفرانز ليست.
لزوم ما يلزم: النتيجة الميدالية: كيف تكون المهارات الأسلوبية لدى طالب تدرب على تقنيات خمسين أو مئة كاتب، طوال عقد من الإعدادية إلى الجامعة؟
[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق