الحزن الذي لا يخبو بسهولة ! - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

قبل نحو عشرة أعوام من يومنا هذا، فقدت بين ليلة وضحاها ذلك الإنسان الذي كان يتمنى أن أكون أفضل منه.

دائما تستوقفني هذه الكلمات «الأب هو الرجل الوحيد في العالم الذي يأخذ من نفسه ليعطيك، قد لا يكون أعطاك كل ما تتمناه، لكن تأكد أنه أعطاك كل ما يملك لتعيش أنت بسلام».

نتكلم عن الأب الحقيقي الذي يراعي الله سبحانه وتعالى بالفطرة، الأب الذي يعد رمزًا إنسانيًا مهمًا للتضحية والفداء من أجل إسعاد أبنائه، هذا الفقد لا يعي الكثير منا سره وأثره في النفس، لكن من فقد أباه سيدرك تمامًا ما أعنيه من حزن يتجدد في كل يوم وليس كل عام.

عشر سنوات ولا يزال المشهد حاضرًا كأنه البارحة، تفاصيل أشبه بكابوس مخيف وانتزاع لمعنى الحياة، في وقت شدة المرض كنت صامدًا يا أبي، وما أن زال عنك الشقاء فاضت روحك إلى السماء.

عشر سنوات والحزن لم يهبط درجة واحدة؛ لأنه يبدأ كبيرًا، ويظل على حاله لا ينكمش أو يتلاشى، وهذا القول تمامًا كما ذهبت إليه المغردة مها العباسي تقول: «الحزن يولد كبيرًا ومع مرور الوقت يتضاءل حتى يصبح في ركن بعيد من الذاكرة والقلب، وبأن الدموع تنتهي لتصبح مجرد ابتسامة حزينة، ولكن أحدهم لم يدرك بأن هناك حزنا أكبر من أن ينتهي، وهناك وجع دموعه لا تنضب، ولا تجف بل يستمر، وتستمر الدموع لتصبح انكسارا في الروح، وحزنا يستوطن العيون فتفقد بريقها ولا يعود لها من جديد أبدا».

وأما المغرد محمد صادق فيرى أن «الحزن هو الوحيد الذي يولد كبيرًا ثم يصغر»؟ هي مقولة حمقاء تمامًا تم تأليفها من أجل المواساة.. حقيقة الأمر أن الحزن لا يصغر أبدًا.. الحزن يولد كبيرًا حتى نقتل نحن الجزء الذي يتألم داخلنا.. فننسى.. ونكمل حياتنا للأبد ناقصين». إذا كان الحزن يسبب ظلامًا في القلب أكثر من أي خطيئة.. فكيف يمكن أن نخرج من توابيت الموت إلى الحياة ؟ أعتقد أن إيمان الشخص والتضامن من أفراد المجتمع هو من يقلل كثيرًا الفجوة بين شدة الحزن والرغبة في الخروج من نطاقه الضيق، فكلما كان الإنسان مدركًا لقوانين العيش في الدنيا فحتمًا سيحاول مساعدة نفسه في إيجاد مخرج لما يضغط على قلبه وأعصابه.

ألم الفقد شديد للغاية، وقلة من الناس من يستطيع أن يحبس أوجاعه في زاوية واحدة، وأن يبدو أكثر تماسكًا وصلابةً، أما بعض الناس فيصاب بالانهيار النفسي لدرجة تشفق عليه فيها.

لم أجد في حياتي شيئًا يؤلم الإنسان، ويجعله في حالة مزرية أكثر من ترابط القلب مع العقل، فكلما ساق العقل مشاهد الماضي شعر القلب بالتعب والإرهاق، والعقل عندما يستجلب الذكريات، تتذكر المراحل واحدة تلو الأخرى، تتذكر كيف كنت تعيش بوجود شخصية عظيمة مثل الأب، تتذكر كيف كنت صامدًا قويًا بوجوده إلى جوارك.

لذا انفلات العقل عن القلب أمر مستحيل، فرقة القلب تأتي من المشاهد التي يستحضرها العقل، ويجعلك تفكر فيها بعمق شديد، أحيانا يخيل لك بأن هذا الفقد ما هو إلا خيال أو حلم سيزول عندما تستيقظ من غفوتك، لكن الوقت يمضي بأنفاس متقطعة تمامًا كما يقطع الألم أوصالك بمنشار طبيب مبتدئ.

الحياة ليست كما نظنها سهلة المراس أو سلمية حتى النهاية، بل هي عالم يشهد اضطرابات ومطبّات وانفراجات لأمور تتوقعها وأحيانا تصدم عندما تأتي إليك بكارثة وفقد عظيم.

أخبار ذات صلة

0 تعليق