لم ينتظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الكثير من الوقت، حتى يعلن رسمياً، عزمه على فرض رسوم جمركية على الواردات من الاتحاد الأوروبي، حتى يفتح باب المواجهة مع القارة الأوروبية، ليضع ما كان وعد به في حملاته الانتخابية موضع التطبيق. فبعد يوم واحد على أدائه اليمين، تحدث عن تصحيح الخلل في الميزان التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قائلاً: «إنهم يعاملوننا بشكل سيئ جداً، لذا فالرسوم الجمركية ستشملهم، لا يمكنك أن تحصل على الإنصاف إلا إذا قمت بذلك». وقبلها بيوم، كان ترامب قد اتهم الاتحاد بعدم استيراد ما يكفي من المنتجات الأمريكية قائلاً: إنه سيقوم «بتصحيح ذلك من خلال فرض الرسوم، أو حض الدول الأوروبية على شراء المزيد من النفط والغاز».
هذا يعني أن ترامب قرر فتح المعركة مع الاتحاد الأوروبي باكراً من منطلق شعاره «أمريكا أولاً»، من دون الأخذ في الاعتبار علاقات بلاده مع حلفاء أو أصدقاء أو خصوم، مساوياً بين أوروبا والصين وكندا والمكسيك وروسيا وغيرها.
هذا الموقف أثار مخاوف وقلق «القارة العجوز»، وبدأت تحسب حساباً لما سوف يصدر عن الإدارة الأمريكية، بما يؤثر في علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية مع واشنطن، لأن مسار مجمل العلاقات بين الطرفين سوف يتأثر سلباً، ويتحول إلى «أزمة قاتلة لأوروبا» حسب وصف المفوض الأوروبي السابق للسوق الداخلية الفرنسي تييري بريتون، ذلك أن إعادة انتخاب ترامب، قد تمثل نقطة تحول بالنسبة لأوروبا تحديداً وللعالم. ووفق محللين اقتصاديين فإن سياسة ترامب قد تؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة وانخفاض النمو، وربما زيادة التضخم في أوروبا، وأيضاً عجز كبير في الميزانية الأمريكية.
أوروبا تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، لذلك تعكف على تطوير استراتيجية تجارية، تتضمن إمكانية فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات الأمريكية، في حال أصّر ترامب على فرض رسومه مطلع فبراير/شباط المقبل. لا تجد أوروبا مفراً من توحيد موقفها في هذه المواجهة، إذ أكد المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية دومبرو فسكيس أن الاتحاد الأوروبي مستعد «للدفاع عن مصالحه إذا اقتضت الضرورة»، كما أن المفوضة الأوروبية أورسولا فون ديرلاين شددت على القول «إن» أوروبا أثبتت أنها قادرة على الإمساك بمصيرها متى كانت موحدة، وأضافت: «أولويتنا القصوى ستكون الدخول في حوار من دون تأخير، لدراسة مصالحنا المشتركة والاستعداد للتفاوض».
وفي مواجهة ما تحمله الأيام المقبلة من تطورات سوف ترخي بذيولها على العلاقات الأمريكية - الأوروبية، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس في باريس، يوم أمس الأول واتفقا على ضرورة «تعزيز وحدة أوروبا وسيادتها»، وتعهدا بالعمل المشترك «ليكون الاتحاد الأوروبي شريكاً بناء وواثقاً من نفسه بما يضمن الدفاع عن مصالحه» بهدف مواجهة التحدي الذي ستمثله الولايات المتحدة. وفي حين أعلن المستشار الألماني أن«أوروبا لن تختبئ أو تنكفئ، بل ستكون شريكاً بناء»، حث الرئيس الفرنسي دول الاتحاد الأربعين على«الاضطلاع بدورها من أجل أوروبا موحدة وقوية وذات سيادة، تعرف كيف تدافع عن مصالحها».
من أجل مواجهة أوروبية ناجحة، الأمر يعتمد إلى حد كبير على الدور الألماني - الفرنسي باعتبار برلين وباريس قاطرتا الاتحاد الأوروبي.
0 تعليق