مأزق أمريكي مع كوريا الجنوبية - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الذين تابعوا موجة تصريحات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، وأنصتوا إلى تصريحاته المتتالية في حفل تنصيبه وعودته مجدداً إلى البيت الأبيض يوم الاثنين الماضي، شغلهم سؤال مهم يقول إنه إذا كان قد بات معروفاً كيف سيدير ترامب علاقات بلاده مع أعدائها خاصة الاستراتيجيين منهم، حيث سيديرها من منظور «العداوة المطلقة» كي يقيم «أمريكا العظيمة» التي يبشر بها، فكيف سيدير هذه العلاقات مع حلفاء وأصدقاء بلاده؟ هل سيديرها من منظور مبادئ الندية والمساواة والمنافع المتبادلة أم سيديرها من منظور الاستعلاء وفرض التبعية وممارسة الهيمنة على هؤلاء الأصدقاء والحلفاء؟
الدافع لذلك يرجع إلى وضع ترامب شعار «أمريكا العظيمة» كأولوية قصوى في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية، وهذا الشعار مفاده أن مصالح أمريكا يجب أن تكون فوق مصالح الجميع أعداء كانوا أم أصدقاء.
لذلك لم يكن غريباً أن يطالب ترامب بضم كندا الحليف الأساسي للولايات المتحدة في كتلة أمريكا الشمالية، إلى الولايات المتحدة، والمطالبة أيضاً بضم جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك في القارة الأوروبية، ثم الاتجاه جنوباً نحو أمريكا الوسطى واللاتينية والمطالبة بضم قناة بنما بالقوة، ناهيك عن كشف جزء من «النوايا» نحو حلفاء في الشرق الأوسط.
هذه السياسة الأمريكية الجديدة يمكن وصفها بأنها «تعد جنوحاً» في إدارة السياسة الأمريكية تقوده طبقة حاكمة جديدة من كبار أغنى أغنياء الولايات المتحدة والعالم، تسعى إلى فرض إرادتها السياسية سواء في الداخل الأمريكي أو في علاقة الولايات المتحدة مع العالم: أصدقاء وأعداء، وهذا ما حذر منه الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في خطابه «الوداعي» قبل أيام من انتهاء ولايته مساء الأربعاء الماضي، عندما ركز في هذا الخطاب على خطورة «أوليغارشية تتشكل في أمريكا»، ويعني بها حكم «الأقلية المستبدة» من كبار أغنى الأغنياء في الولايات المتحدة.
فقد حذر بايدن من أن الولايات المتحدة تواجه «تركزاً خطراً في أيدي حفنة من الأشخاص فاحشي الثراء»، كما حذر من عواقب خطرة إذا لم يتم وضع حد لإساءة استخدامهم للسلطة، وقال «اليوم تتشكل أوليغارشية في أمريكا، حيث تشكل ثروتها الهائلة وقوتها ونفوذها تهديداً ملموساً لديمقراطيتنا بأكملها وحقوقنا الأساسية وحرياتنا».
إذا كان الرئيس السابق جو بايدن يرى خطراً داهماً على الديمقراطية الأمريكية والنظام السياسي الأمريكي، فكيف ستكون الحال بالنسبة لإدارة هذه «الأوليغرشية الأمريكية» للسياسة الخارجية الأمريكية والعلاقة مع العالم، وحدود احترام قواعد القانون الدولي والنظام العالمي ومنظمة الأمم المتحدة، والتعاقدات التحالفية للولايات المتحدة سواء مع الحلفاء الأوروبيين أو الحلفاء في جنوب شرق آسيا؟
ماركو روبيو السيناتور عن ولاية فلوريدا الذي اختاره الرئيس دونالد ترامب وزيراً للخارجية خلفاً للوزير السابق أنتوني بلينكن أجاب على هذا السؤال أمام مجلس الشيوخ الأمريكي بقوله: «إن النظام العالمي، بعد الحرب، لم يعف عليه الزمن فحسب، بل بات سلاحاً يستخدم ضدنا». وقال إن سياسته الخارجية ستسعى إلى اعتماد «الدبلوماسية القوية» لإنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا، كما أكد أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستعتمد سياسة خارجية مدفوعة فقط بما إذا كانت القرارات تجعل الولايات المتحدة أكثر أماناً وقوة وازدهاراً.
وهنا يجدر التساؤل عن كيف سيتعامل حلفاء الولايات المتحدة، خاصة في الاتحاد الأوروبي وداخل حلف شمال الأطلسي وفي جنوب شرق آسيا وبالتحديد اليابان وكوريا الجنوبية مع هذه السياسة، وأي مستقبل ينتظر الشراكة الاستراتيجية الثلاثية في جنوب شرق آسيا: الأمريكية – اليابانية – الكورية الجنوبية؟ خاصة في ظل الأزمة الكبرى التي تهدد الاستقرار السياسي في كوريا الجنوبية، والانقسام الداخلي حول: الديمقراطية أم الديكتاتورية؟
فكوريا الجنوبية الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا خاصة في المواجهة الأمريكية مع الصين وكوريا الشمالية تعيش انقساماً يهدد استقرارها السياسي منذ أن فشل الرئيس الكوري يون سوك يول في فرض قراره على الشعب والبرلمان بفرض الأحكام العرفية ومن ثم حل البرلمان يوم الثالث من ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد أن نجحت المعارضة السياسية بعد أقل من 6 ساعات من عقد جلسة للبرلمان، في إلغاء قرار الرئيس بفرض الأحكام العرفية، ثم اتخذ البرلمان قراراً يوم 14 ديسمبر الماضي بعزل الرئيس، ورفع شكوى ضده بتهمة «التمرد»، وهي جريمة عقوبتها الإعدام، وبتهمة «إساءة استخدام السلطة» وعقوبتها السجن 5 سنوات.
وتطورت الأحداث باعتقال الرئيس يوم الأربعاء (15/1/2025)، ومثوله أمام المحكمة الدستورية يوم الثلاثاء الفائت (21/1/2025) التي ستحسم أمر عزله عن الحكم خلال الـ 180 يوماً القادمة أو إسقاط قرار العزل وإعادته لمنصبه.
الإدارة الأمريكية السابقة وعلى رأسها الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته، وقفت عاجزة عن اتخاذ موقف داعم للرئيس الكوري الجنوبي أو للمعارضة ، فكيف سيكون موقف الإدارة الأمريكية الجديدة: هل ستنحاز إلى الرئيس الذي يفاخر بصداقته للرئيس ترامب، أم للمعارضة والشعب المدافع عن الديمقراطية؟ وأين ستكون المصلحة الأمريكية ؟

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق