عودة ترامب.. تحديات ومخاوف! - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عبد الله السناوي
يكاد العالم أن يكون اختلف تماماً عما كان عليه قبل أربع سنوات حين جرت إزاحة دونالد ترامب من البيت الأبيض في انتخابات (2020).
بمجرد انتخابه مجدداً طرحت تساؤلات حرجة على الإقليم والعالم عن حدود التغيير المتوقع في سياسات القوة العظمى شبه الوحيدة على المسارح الدولية والإقليمية المشتعلة بالنيران في أوكرانيا وفلسطين ولبنان.
يقال عادة: «ترامب هو ترامب»، لم يكن لدى الأوروبيين رفاهية الوقت لانتظار ما قد يطرأ من تحولات وانقلابات جوهرية في الحرب الأوكرانية، أو تبعات التحلل من الالتزامات الأمريكية تجاه حلف «الناتو» ومستقبل الأمن في القارة وطبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة.
دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدول الأوروبية إلى الاعتماد على نفسها في ضمان أمنها، لم تكن تلك دعوة مستحدثة على توجهاته السياسية بعد صعود ترامب مجدداً، فقد تبناها وألح عليها أثناء فترته الرئاسية الأولى، التي تخللتها مشاحنات أمام الكاميرات بين الرئيسين وصلت إلى حد إهانة ماكرون.
دعوته هذه المرة أقرب إلى إجراء احترازي مبكر خشية عواقب إنهاء الحرب الأوكرانية بتفاهم منفرد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من دون أخذ المخاوف الأوروبية في الاعتبار.
في تعليق لافت آخر دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى «السلام من خلال القوة»، كان ذلك تعبيراً ملتبساً يعكس مدى قلقه البالغ من أية تحولات دراماتيكية مفاجئة عسكرياً وسياسياً على المسرح الأوكراني.
بوقت واحد تبنى خيار بايدن في استخدام قوة حلف «الناتو» بمواجهة روسيا من دون أن يعارض خيار ترامب لإنهاء الحرب بعدما أثبت الخيار العسكري عجزه عن تحقيق أهدافه.
لم يتردد القادة الأوروبيون الآخرون عن التعبير بصيغ أخرى عن فوائض القلق، التي تعتريهم إثر صعود ترامب مجدداً.
المشكلة الرئيسية هنا أنه تعهد بإنهاء الحرب بمجرد التواصل مع بوتين من دون أن تكون لديه خطة واضحة.
بدا الكرملين أكثر تريثاً، رغم تأييده الضمني لصعود ترامب، بتعبير وزير خارجيته سيرغي لافروف: «سوف ننظر في أفعاله لا أقواله».
الحرب الأوكرانية تحدٍ جوهري يتعلق به مستقبل النظام الدولي، الذي أخذ يترنح بتأثير حربين متزامنتين، واحدة في أوروبا والأخرى بالشرق الأوسط.
كانت النزعة العسكرية المفرطة لدى بايدن أحد الأسباب الجوهرية لخسارة نائبته كامالا هاريس الانتخابات الرئاسية.
لم تبد شخصية مستقلة عن إرثه، لا دعت إلى حل سياسي للحرب الأوكرانية ولا نددت بجرائم الإبادة الجماعية في غزة.
باليقين فإن وطأتها أقل من ترامب بالنسبة للحرب في غزة، لكنها فشلت في اتخاذ مسافة عن بايدن الذي فقد شعبيته وصورته وأدخل الاقتصاد الأمريكي في دوامة التساؤلات الحرجة عن مستقبله مع زيادة نسب التضخم وارتفاعات الأسعار في الأسواق.
استثمر ترامب في فشل بايدن ونجح في الفوز بأريحية لم تكن متوقعة، كسب إلى صفه قطاعات من الأمريكيين السود رغم سجله السلبي، الذي استدعى احتجاجات واسعة نشأت في زخمها حركة «حياة السود مهمة»، كما نجح في اجتذاب كتل محافظة خارج نطاق حزبه الجمهوري أقلقها تركيز منافسته على الحريات الجسدية بمن فيهم عرب ومسلمون.
كانت المفارقة الأفدح توزع الصوت العربي والإسلامي بين المرشحين بذريعتين مختلفتين، أحدهما بالتصويت العقابي ضد إدارة بايدن وهاريس لدورها في الحرب على غزة والتواطؤ الكامل بحرب الإبادة.
وثانيهما، بالرهان على أن يلتزم ترامب وعده الانتخابي، الذي أطلقه بولاية ميشيغان المتأرجحة، بإنهاء حربي غزة ولبنان.
كان ذلك تحليقاً في فراغ الأهواء، بدت حكومة بنيامين نتنياهو الأكثر ابتهاجاً بفوزه، حسب تعبيره فإن فوز ترامب يعني إعادة القوة للتحالف الأمريكي الإسرائيلي، كأنه كان مهتزاً على عهد بايدن، الذي وفر لآلة الحرب الإسرائيلية كل ما تحتاجه من تسليح ودعم استخباراتي وغطاء سياسي منع ملاحقة قادتها أمام المحاكم الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب أخطرها الإبادة الجماعية.
وحسب وزير الأمن القومي المتطرف اتيمار بن غفير فإنها فرصة لتحقيق «النصر المطلق» من دون أن يكون لديه أي تصور يتعدى التقتيل والإبادة والتجويع والتهجير القسري للفلسطينيين.
الحرب في لبنان أخطر على واشنطن ومصالحها من الحرب على غزة، هذا استنتاج مرجح في ما تنشره الصحافة الأمريكية، رغم ما يقال عن تفاهمات بين ترامب ونتنياهو تقضي باستخدام كل ما يلزم من قوة لحسم الحرب على غزة حتى يمكن إنهاؤها فور دخوله البيت الأبيض ويكون ذلك إنجازاً يحسب للرئيس العائد.
في كل الأحوال لا يمكن تجاوز الحقائق على الأرض، في لبنان وفلسطين، القضية الفلسطينية تستعصي على الإلغاء، إلى حد نفي مشروع الدولة الفلسطينية وعدم الاستعداد للاعتراف بأية حقوق سياسية لشعبها.
إننا بقرب محاولة جديدة لإلغاء الأثر السياسي والمعنوي لعملية السابع من أكتوبر (2023) وما جرى بأثر حرب الإبادة في غزة من أوسع موجة تضامن شعبية دولية مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر وطني بالمقام الأول والأخير.
يصعب تخيل حدوث هذا السيناريو بعد كل ما جرى، ولا هو سهل ومتاح العودة إلى الماضي بصورة أو أخرى.
الحقائق الفلسطينية، التي ثبت دوماً أنه يستحيل تجاوزها سوف تقول كلمتها من جديد.

أخبار ذات صلة

0 تعليق