د. باسمة يونس
تمكنت الثقافة العربية في الماضي من الوصول إلى الخارج من خلال المهاجرين الذين انتقلوا لدول أخرى في العالم لأسباب مختلفة وحملوا معهم من ثقافتهم وعاداتهم وتقالديهم، ومن بينهم الأدباء والمثقفون والفنانون الذين أبرزوا الثقافة العربية بكل تفاصيلها الجميلة وروائعها في أعمالهم وإبداعاتهم المختلفة.
وأسست أجيال المهاجرين إلى تلك الدول بعلمهم، معالم ثقافية وحضارية تحمل نبض الثقافة العربية، وأسس الأدباء والمثقفون مدارس أدبية وإبداعات مؤثرة لا تزال حية إلى اليوم، وتعكس في طياتها تفاصيل الصورة العربية بكل ما تحمله من رموز مشرفة وثقافة غنية.
ولم يتوقف الأمر عند حدود إيصال الصورة، بل قامت الترجمة أيضاً بدورها في نقل الثقافة العربية للآخر، واهتم المترجمون آنذاك باختيار ما من شأنه أن يعكس صورة الثقافة العربية ويظهر أفضل ما فيها في الخارج، إضافة إلى وجود مزيد من الأدباء العرب من الذين يكتبون مباشرة بلغات مختلفة ويبرزون في أعمالهم الصوت العربي والممارسات الثقافية الأصيلة التي تميزهم عن غيرهم.
ولم يكتف بعضهم بنقل الثقافة العربية وتعريفها للآخر، بل هناك من ارتبط بها ارتباطاً وثيقاً لتصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية، كمن ارتبطوا بالزواج، أو غيرهم من الأدباء العرب الذين تمكنوا من دمج ممارسات الثقافة العربية في حياة من عاشوا بينهم، واستفادوا من مزجها بالثقافة التي فرضت عليهم في الخارج ليصبحوا سبباً في تعريف العالم بالثقافة العربية وأصولها.
وربما استطاعت نسبة كبيرة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي اليوم من جميع الفئات، من الجمهور العادي والمثقفين والمبدعين، تقديم الثقافة العربية من خلال أكثر من موضوع ومجال، وخصوصاً عبر العديد من الصناعات الإبداعية وكل ما من شأنه توصيل هذه الثقافة للعالم وتعريفهم بها في عقر بيوتهم، لكنها في حقيقة الأمر لم تتمكن من الوصول بتأثيرها إلى ما فعله عرب وأدباء المهجر في الماضي الذين كانوا ولا يزالون رواد أعمال ناجحين أو أعلاماً تدرس إبداعاتهم في هذا المجال، ناهيك عن تغير أسباب الهجرة وفئاتها اليوم.
ولربما حققت وسائل التواصل نجاحات غير مسبوقة في كشف ما كان خافياً على العالم من الجوانب والممارسات الثقافية والإنسانية، وتمكن موهوبون من العامة والمحترفين من إيصال الكثير من عناصر الثقافة العربية للخارج عبر الحوارات أو الملصقات أو حتى المشاهد التمثيلية والأفلام القصيرة والمقالات المصوّرة وغيرها، لكن غياب الاستراتيجيات الواضحة التي تسعى لتعزيز الثقافة العربية من خلال الدراسات والصناعات الإبداعية الاحترافية ذات الجودة العالية يقلل من تأثيرها الإيجابي ويصغر ما تملكه من قيم ومقومات فرضت نفسها على الكثير من النجاحات والمنجزات العالمية.
ورغم أننا في عصر يتسم بالعولمة وانتشار الثقافات عبر وسائل الإعلام المتنوعة، ومع كل المحاولات التي يقوم بها عدد كبير من الأفراد والجهات، هناك تقصير في استراتيجيات تقديم الثقافة العربية للعالم، وإبراز محتواها المتنوع من إرث حضاري ضخم يمتد من الأدب والفن إلى الفكر والفلسفة؛ كونها غير ممثلة بشكل كافٍ على الساحة العالمية لعدة أسباب، من أهمها، أولاً عدم وجود مشروع عربي موسوعي موحّد يرصد أعلام الثقافة العربية ويوثق منجزاتهم ويسوق إبداعاتهم داخل العالم العربي وخارجه.
ثانياً، نقص الدراسات النقدية وضعف الترجمة إلى اللغات العالمية أو العشوائية في اختيار ترجمة المحتوى باختيار الأضعف وتجاهل الأعمال الفكرية والأدبية المهمة تماماً. فمن دون وجود مشروع ثقافي يضمن حمايتها وسلامتها، ستظل الثقافة العربية محدودة التأثير ومتاحة فقط لمن يتحدثون اللغة العربية.
0 تعليق