سوريا الثقافة.. لا سوريا السياسة - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هل ستعود الحياة الثقافية الحرّة إلى سوريا. حياة الإبداع والكتابة والنشر بلا خوف، وبلا رقيبِ مطبوعات يحمل على كتفه رتبة عسكرية. حياة الصحف اليومية بملاحق وصفحات ثقافية لا يتبع صحفيوها حزباً ولا عائلة سياسية ولا أيديولوجية مغلقة لا ترى إلا ظلالها الثقيلة.
هل ستعود إلى سوريا حركة الترجمة، ونشر الكتب التي تتاح للجميع، ويختفي الخوف من قلوب أصحاب الرأي الثقافي، ويصبح بإمكان الروائي ألا يختبئ وراء حزمة من السرديات الغامضة، ويتاح للشاعر أن يقول للفحش والفساد والرشوة إلى الجحيم أيتها المنظومة السوداء، والتي أنتجت ثقافة أكثر سواداً.
هل ستعود إلى سوريا حرية الكتابة، وقبل ذلك، هل سيعود إلى سوريا أحرار الكتابة وأحرار الأدب والفنون والفكر من شعراء، وروائيين، وموسيقيين ورسّامين ومسرحيين توزّعوا في أشتات الأرض، وذاقوا مهانة اللجوء ومغامرة التهجير في قوارب الماء المجهول، وفي الجغرافية اليابسة المجهولة.
نتحدث هنا عن سوريا الشعر، والفن، والأدب، واللوحة وأناقة الفن عن شعب يحب الحياة، بلاده هلال خصيب. وسماؤه رحبة ووسيعة للغيوم والطيور، لا للطائرات، ولا للمطر الأسود.
إذا جلست في دمشق، يستضيفك الياسمين ولؤلؤ الماء في بردى، وإذا ذهبت إلى حلب تنتظرك هناك القدود الحلبية ومقامات الموسيقى الأشبه بمقامات المتصوّفة ودراويش الحب، وإذا زرت دير الزور يرحّب بك بدو مولودون من رجال عز وكرامة، وإذا جئت إلى درعا تستقبلك قلوب الناس قبل عيونهم، وكل هذه الجغرافية البشرية والأرضية هي في الأصل، جغرافية ثقافية: فنون، وجمال، وترحاب.
سوريا التي أكتب عنها الآن هي سوريا الثقافة، سوريا الشعر، سوريا الجمال الطبيعي الفطري في وجوه الناس، وفي مشهدية الحياة التي تبدأ من الحجر إلى الشجر، وفوق كل هذه القبة السورية.. قمر الشام.
التجارب السياسية، والحروب، والانقسامات الأهلية، والمرارات المرعبة التي مرّ بها العالم، وبخاصة في القرن العشرين تقول لنا وبالفم الملآن إن كل تغيير سياسي لن ينجح مطلقاً إن لم يسبقه تغيير ثقافي، وكل تغيير ثقافي لن ينجح إن لم يسبقه تغيير اجتماعي، «مجتمعي»، إجماعي على قيمة الثقافة، وقوّة الفنون.
سوريا الثقافة. سوريا عودة الدم الثقافي النقي والقوي لشرايين الشام، وهلالها الخصيب قبل سوريا السياسة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق