في حياتنا اليومية، نقع أحياناً في فخ التوقعات الاجتماعية، تلك الأحكام الصامتة التي تلاحق خطواتنا وتشكل جزءاً كبيراً من قراراتنا، كيف نلبس؟ ماذا نقول؟ كيف نتصرف؟ أسئلة بسيطة لكنها تخضع لتقييم مستمر من مجتمع يراقب بصمت، ويملي علينا معايير تحكم ما نفعله، وحتى كيف ننظر إلى أنفسنا.
التوقعات الاجتماعية ليست بالضرورة شراً مطلقاً، فقد تكون أداة لتنظيم العلاقات وتحديد المسموح والممنوع، لكنها تتحول أحياناً إلى قيود غير مرئية تكبلنا وتدفعنا لاتخاذ قرارات لا تعكس حقيقتنا، كم مرة اختار شخص مساراً تعليمياً أو وظيفياً فقط لأن «الناس» توقعوا منه ذلك؟ كم من الأحلام تلاشت، ليس لأنها مستحيلة، بل لأنها لم ترض معايير الآخرين؟
نميل إلى الحكم على الآخرين دون أن نشعر، نلاحظ ملابسهم، وظائفهم، قراراتهم الحياتية، ونُسقط عليهم توقعاتنا، لكن هذا الحكم لا يتوقف عند الآخرين فقط، فهو يمتد إلى داخلنا، حيث نصبح نحن أنفسنا ضحايا لتلك الأحكام، نعيش في سباق مستمر لإرضاء الآخرين، نخشى الرفض أو النقد، وننكر في بعض الأحيان رغباتنا الحقيقية.
لكن، لماذا نفعل ذلك؟ لأننا نخشى أن نكون مختلفين. المجتمع يفضل القواعد ويقاوم التغيير، ويشعرنا بأن الخروج عن المألوف تهديد، لكن الحقيقة هي أن الحياة ليست سباقاً لإرضاء الآخرين، بل رحلة لفهم الذات وإيجاد ما يناسبنا، حتى لو لم يرض ذلك «معايير» من حولنا.
حين نحكم على الآخرين بناء على توقعاتنا قد ننسى أن خلف كل قرار قصة، وأن كل إنسان يعيش معركته الخاصة. الأحكام السريعة تغفل التعاطف وتبعدنا عن فهم الحقيقة الكاملة، والأسوأ من ذلك أنها تصعب علينا بناء علاقات قائمة على الصدق، لأننا نخشى أن يحكم علينا بالطريقة ذاتها.
في النهاية، نحن بحاجة لإعادة النظر في تأثير التوقعات الاجتماعية على حياتنا. لنسأل أنفسنا: هل ما نفعله يعكس حقيقتنا أم أننا فقط نخشى كسر القواعد؟ هل نحكم على الآخرين لأننا نخاف أن يحكم علينا؟
التخلي عن التوقعات الاجتماعية لا يعني رفض المجتمع، بل يعني اختيار حرية العيش بصدق. حين نتوقف عن الحكم على الآخرين ونركز على فهمهم نمنح أنفسنا والآخرين مساحة لنكون كما نحن، بعيداً عن قيود التوقعات. وربما حينها فقط، نجد السلام مع أنفسنا ومع من حولنا.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com
0 تعليق